تقدُّم العقيدة في المسيحيّة لا تغيّرها †

 “الإرشاد الأول” للقدّيس منصور الكاهن من مدينة ليرنس
(متوفٍّ عام 445) (St. Vincent de Lerins) (فصل 23: PL 50، 667- 668)
/////////////////////////////////////////////////////

ألا يكونُ في كنيسةِ المسيحِ تقدُّمٌ في العقيدة؟ بلى، هناك تقدُّمٌ وتقدُّمٌ كبير.
ومَن هو الإنسانُ الذي قد يكونُ عدوًّا للبشريةِ أو للهِ فيتجرَّأَ على الوقوفِ دونَ ذلك؟ ولكنْ، الأمرُ الممكنُ هو التقدُّمُ لا التَّغييرُ  في العقيدة. التقدُّمُ يَعني أنَّ الشيءَ نفسَه يتَّسعُ وينمو في نفسِه. والتَّغييرُ يَعني تبديلَ شيءٍ بشيءٍ آخَرَ.
فلا بدَّ إذًا مAن أن ينمُوَ ويتقدَّمَ تقدُّمًا كبيرًا وديناميكيًّا، الفهمُ والعلمُ والحكمةُ، لدى الأفرادِ كما ولدى الجميع، لدى الشَّخصِ الواحدِ كما وفي الكنيسةِ كلِّها، وبحسبِ تقدُّمِ السِّنِّ ومرورِ الزَّمَن. ولكنْ يتقدَّمُ كلُّ شيءٍ ضمنَ إطارِه أي ضمنَ التَّعليمِ نفسِه، وضمنَ المفهومِ والعبارةِ نفسِها.
سُنَّةُ نمُوِّ العقيدةِ في النُّفوسِ مثلُ سُنَّةِ النمُوِّ في الأجساد: مع تقدُّمِ السِّنين يزدادُ عددُ السِّنين ويتَّضِحُ، إلا أنَّ ما كانَ يبقى على ما كان. هناك فَرقٌ كبيرٌ بين زهرةِ الطُّفولةِ ونضوجِ الشَّيخوخة. ولكنَّ الذين صاروا شيوخًا هم أنفُسُهم الذين كانوا شُبَّانًا. فيتبدَّلُ وضعُ الإنسانِ الواحِدِ نفسِه وتتبدَّلُ عاداتُه، إلا أنَّه يبقى الشَّخصَ نفسَه والطبيعةَ نفسَها.

أعضاءُ الأطفالِ الرُضَّعِ الصَّغيرة، وأعضاءُ الشَّبابِ الناميةُ هي نفسُها. ما هو في الصِّغارِ هو أيضًا في الكِبار. وإذا تولَّدَ شيئًا مع نضوجِ السِّنِّ، فقد كان كامِنًا في الجسدِ مِن قبلُ في حالةِ البِذار.

“فلا جديدَ يُستحدَثُ في الشُّيوخِ ما لم يكُنْ كامِنًا في الأطفالِ من قبلُ !!”

ومن ثمَّ لا شكَّ في أنَّ هذه هي السُنَّةُ القويمةُ والمشروعةُ للتقدُّم، وهذا هو نظامُ النُّمُوِّ الصَّحيحُ والعجيبُ، وهو أن نكتشفَ لدى الكبارِ مع تقدُّمِ السِّنين ما سبقَتْ حكمةُ الله وصوَّرَتْه في الصِّغار.

فإذا تحوَّلَتْ الصُّورةُ البشريّةُ إلى صورةٍ ليسَتْ من طبيعتِها، أو أُضِيفَ إليها عددٌ من الأعضاءِ، أو نقصَ بعضُها، فسوف يَهلِكُ الجسدُ كلُّه، أو يُصبِحُ مِسخًا، أو أقلَّه سيصابُ بالضُّعف. وكذلك العقيدةُ في الدِّيانةِ المسيحيّة. فإنَّها تَتبَعُ قوانيَن التَّقدُّمِ هذه، فتتوطَّدُ مع السِّنين، وتتَّسعُ مع الزَّمَن، وتَزهو مع العُمْرِ.
لقد زرعَ آباؤنا قديمًا في أتلامِ الكنيسةِ حنطةَ الإيمان: فهو ضلالٌ وإثمٌ أن نُضيفَ، نحن أبناءَهم، إلى حنطةِ الحقيقةِ الطبيعيَّةِ زؤانَ الضَّلال !!
بل هو حقٌّ ومنطقيٌّ ألا تختلفَ البدايةُ والنِّهاية، وأن نحصدَ مع الحنطةِ التي نمَتْ ثمارَ العقيدةِ التي نمَتْ وبقيَتْ حنطة. فإذا ما تطوَّرَ شيءٌ من تلك البذارِ الأُولى مع تقدُّمِ الزَّمَن، نبتهجُ له الآن ونكمِّلُ نُمُوَّه.

 

10360253_800262593402039_8853956904672205420_n
قال هذا القديس أيضًا:
**************************
ماذا إذًا على المسيحي الكاثوليكي أن يعمل ؟ إذا حاولت بعض أوبئة الحداثة بأن تصيب لا جزءًا صغيرًا من الكنيسة وحده بل الكنيسة كلّها على حدّ سواء ؟
عليه أن يلتصق بالأشياء القديمة التي هي الآن غير قابلة على الإطلاق بأن تنغوي بأي حرفةٍ من الحداثة !
فعندما يجتاح الجنون الكنيسة كلّها، يجب أن نعود الى كنيسة الماضي. في الكنيسة الكاثولكية يجب أن نعتني كلّ العِناية في أن نتمسّك بقوّة بما تمّ الإيمانُ به في كلّ مكان، دائمًا ومن قِبل الجميع، لأنّ هذا بالحقيقة “كاثولكيّ”
فإنّ كل حداثة وتجديد في الإيمان هي علامة أكيدة على الهرطقة. فقد صرخ القديس بولس الرسول بصوتٍ عالٍ مجدّدًا لكلّ الناس، لكل الأزمنة، لكل الأمكنة: “إن أعلن أحدهم عقيدة جديدة، فليكُن محرومًا” !


تابعونا على الفيسبوك:
قلب مريم المتألم الطاهر
10509613_656184954476471_197786145256822204_n

 

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Powered by Calculate Your BMI