شفاعة مريم أمّ يسوع في الانجيل! 💘 ما معنى “ما لي ولكِ يا امرأة؟” في عرس قانا؟

لمَ قال يسوع لأمّه مريم: “ما لي ولكِ يا امرأة؟” وهل أهانها في عرس قانا الجليل⁉
(الشّرح للقديس ألفونس ليغوري، معلّم الكنيسة الكبير، كتاب: أمجاد مريم البتول)

حينما كانت مريم تعيش في الأرض، لم يكن لها اهتمامٌ بالدرجة الأولى بعد العمل لمجدِ الله، سوى أن تعين المُحتاجين. ونحن نعلم أنّها منذ ذلك الوقت قد تمتّعت من قِبَل الله بهذه المَوهِبة؛ وهي أن تُستجاب طلباتها في كلّ شيءٍ تلتمسه.
ونحن نعلم هذا من حادثة عرس قانا الجليل حينما نقص الخمر، فوقتئذٍ لاشفاق مريم وتوجّعها بسبب الخجل الذي اعترى أهلُ البيت، طلبت من ابنها أن يعزّيهم بصنيعه أعجوبةً قائلةً له: “ليس عندهم خمر”، (يو 2: 3) أمّا يسوع فأجابها بقوله: “ما لي ولكِ أيتّها المرأةُ، لم تأتِ ساعتي بعد” (يو 2: 4)
فتّأمل أيّها القارئ كيف أنّه يظهر من جوابه عدم إرادته حينئذٍ أَنْ يصنع تلك المُعجزة، بل كأنّه أراد القول لوالدته المجيدة: “ما الذي يهمّني ويعنيكِ بنقصان الخمر لديهم، فالآن ليس هو بلائقٍ بي أن أصنَع العجائب، إذ لم يجِئ بعدُ زمن كرازتي بالإنجيل، الزّمن الذي فيه ينبغي لي أن أثبّت حقائق تعليمي بعجائب ظاهرةٍ”.


إستطراد:
(يوضِحُ لنا القديس ليغوري، المعنى اللّغوي الحقيقيّ لعبارة “ما لي ولكِ” فهي لا تعني: “أتركيني وشأني”، أو “لا تتطفَّلي يا امرأة” كأنَّ يسوع البارّ القدّوس يُهين أُمّه. وهذا تجديفٌ مباشرٌ على يسوع قبل أن يكون على مريم!
فالمعنى الصحيح هو “إنّ نقصان الخمر لا يعنيني، ولا يعنيكِ أنتِ؛ كما جاء في اللّغة الإنكليزيّة: Woman, why do you involve me? أي لمَ تُوَرّطيني أنا في الأمر، وتُورّطين نفسَكِ) فلُيُكمّل قدّيسنا الحبيب شرحه:
ولكن مع ذلك، تصرّفَت فمريم كأنّها فازت منه بطلبها، إذ قالت للخدّام: “إصنعوا كلّ ما يأمركُم به” (يو 2: 5) أي أسرعوا، واملأوا الأجانين ماءً، فتنظرون كيف أنّها ستحصل التّعزية للجميع.”
وبالحقيقة إنّ مخلّصنا لكي يرضي والدته ويتمّم رغبتها، قد أحالَ تلك المياه الى خمرٍ جيّدٍ، فكيف تمّ هذا، إن كان الزمان المُعيّن منه تعالى لصنيع العجائب لم يكن قد جاء بعد؟ فكيف فعل هذه الآية خِلافًا للمراسيم الإلهيّة السّابق تحديدها؟ فالجواب هو: كلّا، إنّ هذا العمل لم يكن مُعاكِسًا لترتيب الله، لأنّه وإن لم يأتِ بعد الزمن الذي فيه ينبغي صنع المعجزات بشكلٍ اعتياديٍّ، إلّا أنّ الله منذ الأزل كان قد حَدَّد بقوّةٍ مَرسومًا آخر. وهو أنّ جميع ما تَطلُبُهُ مريم المختارةُ منه، لن يُرَدَّ طلبُها فارغًا. ومن ثمّ لم تكن مريم تجهل هذه الخاصّة والنعمة الجليلة المَمنوحة لها، مع أنّه تبيَّن لها من جواب ابنها، أنّ طلبها غير مُستجابٍ.
ومع ذلك قالت للخدّام أن “يفعلوا كلّ ما يأمرهم به”. بألفاظٍ تدلّ بوضوحٍ على معرفتها بحصولها النعمة التي التمستها. وهذا هو معنى ما يفسّرُ القديس يوحنّا فم الذهب كلمات فادينا نحو والدته: (ما لي ولكِ أيّتها الإمرأة، لم تأتِ ساعتي بعد)، كالتالي:
إنّ مخلّصنا ومع أنّه كان قد أجابها هكذا نفيًا، فمع ذلك لكي يكرّم هذه الأمّ الإلهيّة، لَم يتأخَّر عن طاعَتها مُحقّقًا ما طلبتُه منه:
وهذا ما يثبّته القديس توما اللاهوتي: أنّ يسوع إذ قال هذه الكلمات: (لم تأتِ ساعتي بعد) أراد أن يُبيِّنَ أنّه لكان قد أخَّرَ صُنعَ تلك الآية، لو كان أحدٌ آخر غير أمّه قد طلب منه هذه النعمة. ولكن اذ إنَّ والدته هي التي التمستها منه، حالاً صَنع الأعجوبة. ثم إنَّ القدّيسَين كيرلّلس وأيرونيموس، يفسّران هذا النص كما شرحنا هنا. نعم! إنَّ المسيح لكي يُكرِم والدته، قد سبق زَمنَ صُنع العجائب!

وبالإجمال إنّه لأمرٌ أكيدٌ، أنّه لن توجد خليقةٌ ما، تقدر أن تستمدّ لنا من الله نحن الأشقياء مراحم ورأفات غنيةً هكذا، نظير هذه الشفيعة الصّالحة الّتي كرّمها الله بذلك، ليس لكونها هي آمته المحبوبة منه فقط، بل أيضاً لكونِها هي أمّه الحقيقية.
فإذاً يكفي لمريم أن تتكلّم، فيُتَمِّم ابنها كلّ ما تريده منه. ففي كلام الرّب مع عروسة سفر نشيد الأناشيد، التي تُطبَّق على مريم، يقول: “أيّتها الجالسة في البساتين، إنَّ الأصحاب يُصغون. فاسمعيني صوتكِ” (نشيد 8: 13)
فالأصحاب هم القدّيسون، الذين حينما يطلبون نعمةً ما راجعةً لخير المتعبّدين لهم. فينتظرون أنّ تستمدّها ملكتهم من الله وتنالها، لأنّه لا تتوزع نعمةٌ ما من النّعم الّا بواسطة شَفاعة مريم. فكيف تستمدّ هي هذه النعم؟ يكفي أن تتكلّم وحسب، لأنّ الإبن يَستجيبُ لها حالاً. ويفسّر غوليالموس الباريسي هذه الكلمات على لسان الرّب يسوع كالتالي: “أنتِ التي تسكُنين في البساتين السّماوية، تشفّعي بدالةٍ ورجاءٍ من أجل من تُريدين. لأنّي لا أستطيع أن أنسى أنّني ابنٌ لكِ، وبالتالي لا أقدر أن أنكرُ عليكِ الشيء الذي تطلبينه مني أنتِ التي هي أمّي، بل يكفي لقبول ما تلتمسينه، أن تتلفّظي بكلمةٍ واحدةٍ فأستجيبها أنا ابنُكِ.*

تابعوا المزيد على صفحة @قلب مريم المتألم الطاهر

You may also like...

Powered by Calculate Your BMI