أين حذَّر الرّب القدّوس شعبَه من تدنيس المقدّسات وممّا يوجِبُه ذلك من عقابات إلهيّة؟!

COMO, ITALY - MAY 9, 2015: The fresco of Last Supper in church Chiesa di San Andrea Apostolo (Brunate) of by Mario Albertella (1934).

1- تسود في عصرنا، وحتّى داخل كنيستنا، فكرة أنّ العهد القديم هو خرافة، أو أنّ المسيح يسوع قد أبطل كلّ العهد القديم بتعاليمه. وهذه الأفكار هرطقة كبيرة جدًّا بل كارثة إيمانيّة من شأنها أن تَنسف كلّ الكتاب المقدّس بِعَهدَيْه وجميع أسفاره وفصوله، وهي ضدّ كلّ تعاليم الكنيسة… فالمسيح قال: “«لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ.” (مت 5: 17).


2- لكي نؤكّد استشهاداتنا من العهد القديم حول عقاب تدنيس الأقداس، نبدأ من العهد الجديد:

لقد أوصانا ربّنا يسوع وأمَرَنا بألّا نُعرِّض المقدّسات للإهانة، أي التّدنيس، التي إحدى أنواعها هي الدَّوس على ما هو مقدّس؛ مُعطيًا المثل التالي: “لاَ تُعْطُوا مُقدَّساتِكُمْ لِلْكِلاَب، وَلاَ تَطْرَحُوا جواهرَكُمْ قُدَّامَ الْخَنَازِيرِ، لِئَلاَّ تَدُوسَهَا بِأَرْجُلِهَا وَترتدَّ فَتُمَزِّقَكُمْ.” (متى 7: 6)

فالكلاب دلالةٌ على الوثنيّين عامّةً -كما كان اليهود يعتبرونهم- لأنّهم على مِثال الكلاب- لا يعرفون أن يميّزوا ما هو مقدّس أمامهم، ولا كيف يتعاملون معه لأنّهم يفتقرون إلى نور الإيمان. فالكلاب كما الخنازير (النّجِسة في نظر الشّعب اليهوديّ) ستُقابل ما هو ثمين بالعُنف أو بالاحتقار والاستخفاف، فتُهينها وتَدُوس عليها. كما قال الرّب للمرأة الكنعانيّة: «لَيْسَ حَسَنًا أَنْ يُؤْخَذَ خُبْزُ الْبَنِين، وَيُطْرَحَ لِلْكِلاَب». (متى 15: 23)

غير أنّ صفات الكلاب والخنازير يُمكن أن تنطبِقَ أيضًا على المؤمنين: المسيحيّين الّذين يفتقرون إلى الإيمان الحقيقيّ، الذين لا يتقدّمون باستعدادٍ إلى اقتبال ما هو مقدّس (المناولة في حال الخطيئة المُميتة -دون إعتراف لدى الكاهن) ولا يعلمون كيف يتعاملون مع الأقداس، بل يُقابلونها بالعُنف والانتهاك، وإمّا بالازدراء والجحود، وإمّا بدَوسِها بالأقدام.

لذا يُحذّر القديس بولس الرّسول المسيحيّين -لا الوثنيّين- من مخاطر ذلك وعقاب الله عليه:
فأيُّ إنسانٍ أَكَلَ خُبْزَ الرّبّ أَوْ شَرِبَ كَأْسَه، وهو على خلاف الاسْتِحْقَاق، فهو مُجْرِمٌ إلى جَسَدِ الرَّبِّ وَدَمِهِ. فليختبِر الإِنْسَانُ نَفْسَهُ، وَهكَذَا فليَأْكُل مِنَ هذا الْخُبْزِ وَيَشْرَبُ مِنَ هذه الْكَأْسِ. لأَنَّ مَن يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ، وهو على خلاف الاسْتِحْقَاق، إنّما يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ دَيْنُونَةً لِنَفْسِهِ، إذ لم يُمَيِّزٍ جَسَدَ الرَّبّ. ولذلك كثُرَ فِيكُمْ المَرْضَى والسِّقام ومات كثيرون. وَلَوْ كُنَّا ندينُ أَنْفُسَنَا، لَمَا كُنَّا نُدان. وفي دينونتنا هذه، إنّما يُؤدِّبُنا الرَّبّ، لِئلَّا يُحكم علينا مَعَ الْعَالَمِ.” (1 كو 11: 27- 32)

أمّا عندما صنع الرّبّ يسوعُ مُعجزة تبريك الخمسة أرغفة والسّمكتين وأطعم الجموع، أوصى تلاميذه” : “اجْمَعُوا الْكِسَرَ الْفَاضِلَةَ لِكَيْ لاَ يَضِيعَ شَيْءٌ” (يو 6: 12)

إن كان الرّبّ يعلّم ويحذّر من سوء التّعامل مع كلّ ما هو مقدّس في نظر الشّعب اليهوديّ، ويبالغ في الحرص على فتات الخُبز غير المكرّس في البريّة كي لا تضيع… فكم بالحريّ يوصينا على ما هو “قُدس الأقداس” : “جسده ودمه الأقدَسَين في القربان”؟

وكم من الفتات المقدّس (وهو جسد يسوع الكامل) يتساقط بسبب المناولة باليد؟!

وتصديقًا على هذا الأمر تؤكّد لنا الآية التالية بأنّه صنع آية تبريك الخبز، ليُفهمنا أهميّة الخبز الحقيقيّ جسده ودمه، كما قال: «الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: أَنْتُمْ تَطْلُبُونَنِي لَيْسَ لأَنَّكُمْ رَأَيْتُمْ آيَاتٍ، بَلْ لأَنَّكُمْ أَكَلْتُمْ مِنَ الْخُبْزِ فَشَبِعْتُمْ. اِعْمَلُوا لاَ لِلطَّعَامِ الفاني، بَلْ لِلطَّعَامِ الْبَاقِي لِلْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ الَّذِي يُعْطِيكُمُ إيّاهُ ابْنُ الإِنْسَانِ” (يو 26: 27)


3- إليكم بعض ما أوصى به الشّعب حول قُدس الأقداس (أي الهيكل حيثُ كانت تُقدَّم الذّبائح) والمقدّسات ألا وهي: “نار المُحرقَة، وكُلُّ قَرَابِينِ بني إسرائيل، مَعَ كُلِّ تَقْدِمَاتِهِمْ وَكُلِّ ذَبَائِحِ خَطَايَاهُمْ وَكُلِّ ذَبَائِحِ آثَامِهِمِ الَّتِي يَرُدُّونَهَا لِلّه.” (عدد 18: 9) بالإضافة إلى تابوت العهد رمز حضور الله بينهم.

(والقربان هو أقدس من تلك الرموز بما لا يوصف!!)

1-“تَحْفَظُونَ أَنْتُمْ حِرَاسَةَ قُدْسِ الأقداس وَحِرَاسَةَ الْمَذْبَحِ، لِكَيْ لاَ يَكُونَ أَيْضًا سَخَطٌ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ” (عدد 18: 5)

2-“وَأَمَّا أَقْدَاسُ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَلاَ تُدَنِّسُوهَا، لِئَلاَّ تَمُوتُوا». (عدد 18: 32)

3-فَلاَ يُدَنِّسُونَ أَقْدَاسَ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّتِي يَرْفَعُونَهَا لِلرَّبِّ، فَيُحَمِّلُونَهُمْ ذَنْبَ إِثْمٍ بِأَكْلِهِمْ أَقْدَاسَهُمْ. لأَنِّي أَنَا الرَّبُّ مُقَدِّسُهُمْ». (لاويين 22: 15 – 16)

4-وَأَجْعَلُ أَنَا وَجْهِي ضِدَّ ذلِكَ الإِنْسَانِ، وَأَقْطَعُهُ مِنْ شَعْبِهِ، لأَنَّهُ أَعْطَى مِنْ زَرْعِهِ لِمُولَكَ لِكَيْ يُنَجِّسَ مَقْدِسِي، وَيُدَنِّسَ اسْمِيَ الْقُدُّوسَ.” (لاويين 20: 3)

5-“مِنْ أَجْلِ أَنَّكِ قَدْ نَجَّسْتِ مَقْدِسِي بِكُلِّ مَكْرُهَاتِكِ وَبِكُلِّ أَرْجَاسِكِ، فَأَنَا أَيْضًا أَجُزُّ وَلاَ تُشْفُقُ عَيْنِي، وَأَنَا أَيْضًا لاَ أَعْفُو.” (حزقيال 5: 11)

6-“كَهَنَتُهَا خَالَفُوا شَرِيعَتِي وَنَجَّسُوا أَقْدَاسِي. لَمْ يُمَيِّزُوا بَيْنَ الْمُقَدَّسِ وَالْمُحَلَّلِ، وَلَمْ يَعْلَمُوا الْفَرْقَ بَيْنَ النَّجِسِ وَالطَّاهِرِ، وَحَجَبُوا عُيُونَهُمْ عَنْ سُبُوتِي فَتَدَنَّسْتُ فِي وَسْطِهِمْ، فَسَكَبْتُ سَخَطِي عَلَيْهِمْ. أَفْنَيْتُهُمْ بِنَارِ غَضَبِي. جَلَبْتُ طَرِيقَهُمْ عَلَى رُؤُوسِهِمْ.” (حزقيال 22: 26 /31)

7-“قَدْ نَجَّسْتَ مَقَادِسَكَ بِكَثْرَةِ آثَامِكَ بِظُلْمِ تِجَارَتِكَ، فَأُخْرِجُ نَارًا مِنْ وَسْطِكَ فَتَأْكُلُكَ، وَأُصَيِّرُكَ رَمَادًا عَلَى الأَرْضِ أَمَامَ عَيْنَيْ كُلِّ مَنْ يَرَاكَ.” (حزقيال 28: 18)


4- أخيرًا وليس آخرًا، لقد صنع الرّبُ آيةً رهيبةً أمام 30 ألفًا من شعب الله، الذين كانوا يُشيّعون تابوت العهد مع النبيّ داود، يومَ مدَّ “عُزَّةُ” يدَيه وأمسَكَ تابوت الرّبّ: “فَحَمِيَ غَضَبُ الرَّبِّ عَلَى عُزَّةَ، وَضَرَبَهُ اللهُ هُنَاكَ لأَجْلِ غَفَلِهِ، فَمَاتَ هُنَاكَ لَدَى تَابُوتِ اللهِ.” (2 صموئيل 6: 7)

ذلك لأنّ الرّبّ كان قد أوصى الشّعب أنّ الكهنة وحدهم هم من يلمسون المُقدّسات، عِلمًا بأنّ تابوت الرّب كان يحوي على لوحَي وصايا موسى، عصا هارون الكاهن التي أزهَرت، والمَنّ الذي أنزله الله لشعبه في الصّحراء، وهو مجرّد علامة حضور الله وسط شعبه.

فكم هو أقدس، بما لا يُقاس، جسد الرّب الحاضر بلاهوته وإنسانيّته وجسده ودمه ونفسه ومجده في القربان الأقدس؟

فلا أحد يحقّ له لمسه سوى الكهنة (رُسل الرّب كانوا أساقفة والقديس بطرس أوّل بابا) كما قال الرّب يسوع للقديسة بريجيت: ” لقد تركتُ بعدي خمس هدايا لكهنتي. الخامسة هي امتياز أن يلمسوا بأيديهم جسدي الكلّي الطّهارة “

بعد هذا كلّه، يأتينا بعض المكرّسين المُعاصرين، ليدافعوا عن رحمة الله وصحّة التّعليم الكنسيّ، قائلين: “ليس هناك تدنيسٌ للمقدّسات، والله لا يُعاقب أبدًا، فهو حُبّ.” وهذه هرطقة وتضليل، لأنّ رحمة الله لا تُلغي عدله وعقابه إلّا في حال التوبة والتوقّف عن إهانته وتدنيس هيكله وجسده القدّوس.

وما انفجار 4 آب سوى عيّنة صغيرة ممّا نعانيه في لبنان من عقابات إلهيّة عادلة بسبب التّدنيسات الكبيرة للقربان والخطايا المُتراكمة من دون توبة! وذلك رحمةً من الله لنتوب ونخلص من الهلاك الأبديّ.

You may also like...

Powered by Calculate Your BMI