حبّ الله اللامتناهي (المطهر والجحيم) -تعاليم القديسة فيرونيكا جولياني

tumblr_mkbr1rBmaH1rsd0e4o1_250

     لِنقرأ بعض المقاطع مِن أنشودة الحبّ الرائعة المُنتقاة من يوميّات قدّيستنا هذه “المختارة بين المختارين”:

     – … بقدر ما أنّ هاوية عَدَمي عميقة، بقدر ما أرتاح في التأمّل بالأوصاف الإلهيّة وأتوقّف عند الرحمة، وأرى، كما في مرآة، بأيّة محبّة أحبّني الله ولا يزال يحبّني. رجائي في هذا الحب…”.

     – “لقد اختبرتُ الحبّ. نفسي مُنغمسةٌ في رَحابة هذا البحر؛ يحوّل الحبّ نفسي إلى الحبّ نفسه. نفسي في الله. الله في نفسي.

يتكلّم الله بصوت الصّمت، وتُجيب النفس، لكنّ جوابها هو صدًى لصوت الله الذي يحبّ ذاته فيها. نفسي، بالحبّ تبدو وكأنّها تعرف الله في ذات الله، وتشاطره سعادته الأبديّة. الله يجذبها نحوه بفعل انجذابات، واندفاعات، وانخطافات، هي من ثمار الحبّ. إنّ معرفة الله الجديدة تنتج تحوّلاً جديدًا في الله”.

     – “أيا أبا حياتي، عروس نفسي، قلب قلبي، عد إلى قلبي! أيّتها النجوم التي تسطعين أمامه، قولي له بأنّي أذوب من الحبّ…”.

     كان الله يتمتّع بتلهّب القدّيسة فيعود ويعزّيها:

     “أنا الحبّ بشخصه؛ إنّني أحبّك وأحملك في قلبي. قلبي هو حياة قلبك.أنت عروسة قلبي! فيسألها:

“هذا القلب الذي أراه في صدرك، لمن هو؟. “لكَ يا ربّ”. “إذًا سوف آخذه”. فيضعه على قلب مريم الحاضرة؛ ثمّ يعود ويضعه مِن جديد على صدره.

“والآن، أي هو قلبي؟” تسأل القدّيسة. فيجيبها يسوع: “قلبك هو أنا… لقد حوّلتك لذاتي؛ لقد أصبحتِ أنا بالذات”.

     كم مرّة كانت تصل إلى الاتّحاد بالله: تكلّمت أوّلاً عن الاتحاد الوثيق جدًّا (Unione strettissima) حيث تشعر النفس خلاله بأنّها منجذبة كما الحديد من المغناطيس، “موثوقة” بعذوبة، “ماخرة” في بحر محبّة الله.

بعد ذلك، أضافت اختبار شعورها “متحوّلة إلى واحد معه” (uniformata)، “محوّلة” في الله. وفي الله المرحلة الأخيرة، عندما كانت تنال لدى كلّ مناولة “نعمة الثلاث نعم”، وصلت إلى ذروة التذوّق لاتحاد الطوباويّين في السماء:

إنّها لحظة “الاتصالات الحميمة” (comunicazione intime) التي تمرّ بين الله والنفس، فهي إذًا لا توصف؛ “لا يمكن وصفها”، هكذا كانت تؤكّد، لكنّها كانت تنجح في أن تنقل للمعرّف النتائج التي تتركها في شخصها بأكمله.

 – “… في غضون لحظة، بدا لي أنّي أشعر بأنّ الحبّ الإلهيّ يتغلغل في كلّ نفس، فتضحي كيانًا واحدًا مع الحبّ الإلهيّ… لم أكن أدري إن كنت في السماء أم على الأرض؛ كنت في حالة معرفة كبيرة لذاتي، فبدا لي أنّني أحقر دُويدة على وجه الأرض…

كنت أرى أنّني عدم، وقد عزّز هذا الشعور لديّ إدراكي بأنّني ناكرة لجميل الله… إنّه إله خيّر للغاية، رحوم للغاية، مهانٌ جدًّا من قبل خليقة عاقّة مثلي!… كنت مشدوهة بالله… أعاين الصفات الإلهيّة. الله كان ذاكرتي، الله كان عقلي، الله كان إرادتي؛ كلّ الله في النفس، وكلّ النفس في الله. ما اختبرته في تلك اللحظات لا يمكن التحدّث عنه… كانت نفسي تغدو متجرّدة دومًا أكثر من كلّ ما هو ليس الله… كان يبدو لي وكأنّي في بوتقة وتحت الحصار.

     “إنّ الطبيعة البشريّة تتحمّل عذابًا كثيرًا جدًّا في “أعمال” الحبّ الإلهيّ… تريد أن تتذمّر. لكنّها تبقى صامتة، وكان الروح يصرخ بشدّة: يا حبّ! يا حبّ! أيّها الحبّ الذي لا تكاد تدركك المخلوقات، ولا حتّى قلبي الحزين، أعدك بأنّه لن يكون الأمر كذلك فيما بعد، لأنّني أبتغيك أنت وحدك، ومعك أبقى…”.

– “… اختبرتِ النفس حينئذٍ في ذاتها بعض “أعمال” الحبّ الإلهيّ… فبدا لي بأنّني ألاحظ في الله عظمة محبّته اللامتناهية، تلك التي كانت تُعتلن لهذه النفس؛ وهي، من خلال هذه الاتصالات الحميمة بين الله والنفس،

كانت تبقى متّحدة بأكملها بالخير الأعظم… كانت بأكملها، في كلّ شيء، محوّلة إلى إله حبّها… والحبّ عينه كان يفعل ولأجلها، هي المنغمسة بكليّتها في الله الذي كان يمنح ذاته بكليّتها لها…

هذه الأمور التي يعجز الكلام عن شرحها… أقول فقط إنّ النفس تبقى مأخوذة في الله لدرجة أنّها، لدى عودتها إلى حواسها، يبدو لها كلّ شيء جديدًا! آه، كم تتألّم لرؤية نفسها مسجونة في الجسد المائت! إذّاك، يتّحد في داخلها شعور بالاشمئزاز من كلّ الأمور الأرضيّة…”.

     – “… بينما كانت نفسي تسبَح بِكليّتها في بحر الألوهيّة اللامتناهي، تراءى لي يسوع: في الشَّكل عَينه الذي خرج به إلى النّور ليَفتدينا نحن الخطأة… فتمّ لي حينها أمرٌ لا يُسهل إدراكه: بدا لي وكأنّه بدّلني إلى أخرى؛ وبدا لي أنّ الله، في تلك اللحظات بالذات، وضعني في ذاته ومَلأ قلبي ونفسي بكليّتهما بالحبّ. كنت أشعر باندفاعاتٍ تنـزع نفسي مِن نفسي، وكنت أشعر بالوقت عينه بأنّني مُتّحدة كُليًّا بالخير الأعظم…”.

     أيّها القارئ العزيز، إنّ اليوميّات مليئة بهذه التعابير السامية. إنّ خيرًا عظيمًا كهذا يستحقّ القليل مِن التقشّف مِن الحرمان.

     وإذا كان الاقتداء بالقدّيسة غير مُستطاع في أمور عديدة، فليت هذه التأمّلات تساعدنا، بعونه تعالى، على أن نتواضع بعمق، مُدركين المستويات التي يدعو الله إليها الإنسان المَخلوق على صورته ومثاله،

وكيف أنّنا لا نزال بالمقابل، “نتجرجر” في وحلِ الملذّات الكاذبة، التي يقدّمها لنا العالم، وسيّد هذا العالم.

لتنزيل الكتيّب كامل pdf. (مع لمحة عن حياتها):
حياة القديسة فيرونيكا جولياني "قلب قلب مريم" 

✞ ♥ ✞

تابِعونا على الفيسبوك:
قلب مريم المتألم الطاهر
10509613_656184954476471_197786145256822204_n

You may also like...

Powered by Calculate Your BMI