إنجيل زكّا العشّار


إنجيل لوقا 10-1:19


دَخَلَ يَسُوعُ أَرِيْحا وَبَدأَ يَجْتَازُها،
وإِذَا رَجُلٌ ٱسْمُهُ زَكَّا، كانَ رَئِيسًا لِلْعَشَّارِينَ وَغَنِيًّا.
وكَانَ يَسْعَى لِيَرَى مَنْ هُوَ يَسُوع، فَلَمْ يَقْدِرْ بِسَبَبِ الجَمْعِ لأَنَّهُ كانَ قَصِيرَ القَامَة.
فَتَقَدَّمَ مُسْرِعًا وَتَسَلَّقَ جُمَّيْزَةً لِكَي يَرَاه، لأَنَّ يَسُوعَ كانَ مُزْمِعًا أَنْ يَمُرَّ بِهَا.
وَلَمَّا وَصَلَ يَسُوعُ إِلَى المَكَان، رَفَعَ نَظَرَهُ إِلَيْهِ وقَالَ لَهُ: «يَا زَكَّا، أَسْرِعْ وٱنْزِلْ، فَعَلَيَّ أَنْ أُقِيمَ اليَومَ في بَيْتِكَ».
فَأَسْرَعَ وَنَزَلَ وٱسْتَقْبَلَهُ في بَيْتِهِ مَسْرُورًا.
وَرَأَى الجَمِيعُ ذلِكَ فَأَخَذُوا يَتَذَمَّرُونَ قَائِلين: «دَخَلَ لِيَبِيتَ عِنْدَ رَجُلٍ خَاطِئ».
أَمَّا زَكَّا فَوَقَفَ وَقَالَ لِلرَّبّ: «يَا رَبّ، هَا أَنَا أُعْطِي نِصْفَ مُقْتَنَياتِي لِلْفُقَرَاء، وَإنْ كُنْتُ قَدْ ظَلَمْتُ أَحَدًا بِشَيء، فَإِنِّي أَرُدُّ لَهُ أَرْبَعَةَ أَضْعَاف».
فقَالَ لَهُ يَسُوع: «أَليَومَ صَارَ الخَلاصُ لِهذَا البَيْت، لأَنَّ هذَا الرَّجُلَ هُوَ أَيْضًا ٱبْنٌ لإِبْرَاهِيم.
فإِنَّ ٱبْنَ الإِنْسَانِ جَاءَ لِيَبْحَثَ عَنِ الضَّائِعِ وَيُخَلِّصَهُ».

10537041_678595455568754_7855648431729198759_n

تفسير:
——–

*إنّ ابن الإنسان جاءَ ليبحثَ عَن الضَّائع ويُخلّصه*

إستضافة زكّا للسيّد المسيح ترمز إلى انفتاح البيت الداخلي لسُكنى الرّب فيه، فيصير أورشليمه الداخلية التي يَدخلها كما بِموكب سماوي ليُعلِن أمجاد صليبه فيها.

كان زكا رئيسًا للعشارين، وكما نعرف أنّ هذا العمل كان مرذولاً لدى اليهود، متطلّعين إليه كعملٍ لحساب الدّولة الرّومانية المستعمِرة يحمِلُ رائحة الخيانة للأمّة اليهودية، هذا مع ما اتّسم بِه العشّارون بصفةٍ عامةٍ مِن حبٍّ لِجَمع المال بِروح الطّمَع والجشع بلِا رحمةٍ مِن جهة إخوتهم اليهود . يُمثّل الدنس بعينه والبُعد الكامل عَن كل ما هو إلهيّ. خلال اشتياقه القلبيّ الخفيّ أن يرى يسوع مَن هو، وترجمة هذا الشوق إلى عملٍ بسيطٍ هو صُعود شجرةِ الجُمّيز لِيرى مَن يحنُّ إليه، يَفتحُ أبوابَ الرّجاء لكلّ نفسٍ بشريةٍ لتلتقي مع مُخلّص الخطأة. وكما يقول القديس أمبروسيوس:
[قُدِّم لنا هنا رئيس العشّارين، فمَن مِنّا يَيأسُ بَعد مِن نَفسه وقد نال نعمةً، بعد حياة غاشّة؟ ]

ومع هذا فقد استطاع رئيس العشّارين أن يغتصِب بالإيمان دُخول السّيد إلى بيته، بل وإلى قلبه، كما قال يسوع:
إن العشارين والزواني يسبقونكم إلى ملكوت الله” (مت 21: 31)

ما هي الرّموز الروحيّة لشجرة الجمّيز ؟

يرى القديس جيروم؛ أن شجرة الجمّيز هنا تشير إلى أعمال التوبة الصالحة حيث يطأ التائب الخطايا السابقة بِقَدمَيه، ومِن خِلالها ينظر إلى الرَّب كما مِن بُرجِ الفضيلة. مرّةً أخرى يقول القديس: [زكا الذي تغيَّر في ساعة حُسب أهلاً أن يتقبل المسيح ضيفًا له.]

كما ترمز شجرة الجميز للصّليب الذي مِن خِلاله يلتقي المُؤمن بِمسيحه ويسمعُ الصّوت الإلهي، وينفتحُ بيتَه الداخلي لقبول السيّد مُتجليًا فيه، فمِن ناحيةٍ أخرى مُتكاملة مع هذا الفكر ترمز الشجرة إلى الكنيسة التي تحمل النفوس الخاطئة على كَتفيها، كزكّا على الشّجرة أو كالخروف الضّال على مَنكبيّ الرّاعي الصالح، لتُقدّمه ثمرةَ حبٍّ صادقٍ لعريسها. بمعنى آخر عمل الكنيسة الرئيسي هو حمل العالم كلّه، ولو كان كرئيس للعشّارين، تحمِله على كَتفَيها لا لِتُدينه أو تَجرح مَشاعره وإنّما لتّهبه إمكانيّة الإلتقاء مع مُخلصِّه.

يُمكننا أيضًا أن نَقول بأنّ شجرة الجمّيز تُشير إلى بذرة الإيمان التي تنمو داخل القلب لتَصير شجرة كبيرة، يأوي في داخلها الإنسان لِيرى مِن خِلالها المسيح الذي لم يره مِن قبل…

خلال شجرة الإيمان التقى زكا بالسيّد رغم المعوِّقات الخاصّة به كقُصْرِ قامَته (الروحيّة أكثر من الجسديّة)، أو الخاصّة بالظروف كتجمهر النّاس حول السيّد فيَحجبونه عنه. بالإيمان الحيّ العمليّ نغلبُ كلّ ضعفٍ فينا، ونرتفعُ فوق كلّ الظّروف لنلتقي بربّنا يسوع !

إذ دخل يسوع بيت زكّا أشرق عليه بنور بِرّه، فطرد مِنه كلّ ظلمة دون أن يبكّتَه بكلمة، أو حتّى يقدّم له وصيّة. كان حضرة المسيح نفسه “كلمة الله المتجسّد” قوّةً قادرةً على انتشاله مِن محبّة المال إلى حبّه للفقراء وشوقه لردّ أضعافٍ مُضاعَفة لِمَن سَبَق فَظلمَهُم، حتّى وإن دَفع كلّ ما يَملكه ثمنًا لذلك.

يحدثنا القديس أغسطينوس عَن عمل المسيح الخلاصيّ، ومَجيئِه طالبًا مَن قد هَلك، قائلاً:
[لقد وجد المّفقودين أيضًا. إنّهم اختفوا هُنا وهناك بين الأشواك، وتشتّتوا بِسبب الذّئاب. اختفوا بينَ الأشواك، فجاء إليهم ليَجدهم، وقد تمزّق بأشواكِ آلامه. جاءَ فِعلاً ووَجدَهم، مُخلّصًا إيّاهم… لقد خَلُصوا بِذاك الذي ذُبح لأجلهم.]

† ♥

تابعونا على الفيسبوك: 
قلب مريم المتألم الطاهر
10509613_656184954476471_197786145256822204_n

You may also like...

Powered by Calculate Your BMI