أنا نيتي طيبة ! (الردّ على تبريرات قلّة الحشمة والإغراء لدى النّساء والرّجال)

“أنا نيتي طيبة”
(هذا النّص مُوجّهٌ للرّجال والنّساء، رغم أنّ الموضوع يطال النّساء بنسبةٍ أكبر عمومًا، ولكنّه لا يستثني الرّجل من خطيئة الإغراء)

“لا أقصد الخطيئة، نيّتي صافية” : شعارٌ متداولٌ اليوم في مجتمعنا الحديث لتبرير كلّ عمل أو تصرّف أو طريقة لباس لا تتوافق مع تعاليم الرّب.
فعلى سبيل المثال، كم نسمع من الأشخاص يقولون: “ولو كان لباسي غير محتشمٍ، فإنّ نيّتي صالحة، ولا أقصد إيقاع أحدٍ في الخطيئة، إنّي أتّبِع موضة العصر.” والبعض الآخر يَزيد قائلًا: “إذا تشكّك البعض بلباسي، هذا لأنّ الآخر عينه شرّيرة، ويرى الخطيئة في كلّ مكان. من عينُه طاهرة لا يرى الخطيئة أبدًا حتّى في الجسد العاري”

تنوَّعت التّبريرات والخطيئة واحدة! فتيقّظوا يا أيّها النّساء والرّجال، فيما تعرضون عُريَ وتفاصيل أجسادكم ؛ “هياكل الرّوح القدس” ( 1 كو 6: 19 ) ،  ولا سيّما في الصّور على وسائل التّواصل.
لأنّنا نريد اليوم التّعمّق في هذه التّبريرات، على ضوء كلمة الله المقدّسة وتعاليم الكنيسة والقدّيسين، وتنبيهات أمّ الله مريم الفائقة الطّهارة ومِثالها.


1-“نيّتي صالحة”
 الّذي ينظر إليكَ لا يرى النّية، بل جسدك! فما الفرق مثلًا بين شخصٍ ينظرُ إلى مَن فتاةٍ نيّتُها صالحة، أو إلى أُخرى نيّتها شرّيرة؟ ألن يقع في الخطيئة نفسها في كلتَي الحالتين؟
كيف ستُنقذهُ نيّتُها الصّالحة، بل وكيف ستُنقِذُها هي من خطيئة التّشكيك والإغراء، الّتي تقع في الدّرجة الأولى على المُسبّب، وفي الدّرجة الثّانية على من تجاوَب إراديًّا مع نظره واشتهى بقلبه.
فالقدّيس برنارد من كليرفو يقول: “إنَّ طريق جهنّم مَرصوفةٌ بالنّوايا الحسنة”، في حين أنّ الرّبُّ يسوع واضحٌ تمام الوضوح إذ نبّه بقساوةٍ:  
“مَنْ أَعْثَرَ أَحَدَ هؤُلاَءِ الصِّغَارِ الْمُؤْمِنِينَ بِي فَخَيْرٌ لَهُ أَنْ يُعَلَّقَ فِي عُنُقِهِ حَجَرُ الرَّحَى وَيُغْرَقَ فِي لُجَّةِ الْبَحْرِ. وَيْلٌ لِلْعَالَمِ مِنَ الْعَثَرَاتِ! فَلاَ بُدَّ أَنْ تَأْتِيَ الْعَثَرَاتُ، وَلكِنْ وَيْلٌ لِذلِكَ الإِنْسَانِ الَّذِي بِهِ تَأْتِي الْعَثْرَةُ! فَإِنْ أَعْثَرَتْكَ يَدُكَ أَوْ رِجْلُكَ فَاقْطَعْهَا وَأَلْقِهَا عَنْكَ. خَيْرٌ لَكَ أَنْ تَدْخُلَ الْحَيَاةَ أَعْرَجَ أَوْ أَقْطَعَ مِنْ أَنْ تُلْقَى فِي النَّارِ الأَبَدِيَّةِ وَلَكَ يَدَانِ أَوْ رِجْلاَنِ. وَإِنْ أَعْثَرَتْكَ عَيْنُكَ فَاقْلَعْهَا وَأَلْقِهَا عَنْكَ. خَيْرٌ لَكَ أَنْ تَدْخُلَ الْحَيَاةَ أَعْوَرَ مِنْ أَنْ تُلْقَى فِي جَهَنَّمِ النَّارِ وَلَكَ عَيْنَانِ.” (متى 18: 6 – 9)

أيّها المسيحيّ، كائنٌ من تكون، كيف تعارِضُ تعاليم الرّب، وتقول أنّ الذّنب يقع على من يَعْثُر وليس على من يُسبّب العثرة؟
وإلّا لماذا كتب القديس بولس موصيًا: “أُريدُ أَنَّ النِّسَاءَ يُزَيِّنَّ ذَوَاتِهِنَّ بِلِبَاسِ الْحِشْمَةِ، مَعَ وَرَعٍ وَتَعَقُّل…” (1 تي 2: 9)”
ومن ناحيةٍ أخرى، كيف يُقال أيضًا: الذّنب ذنب من يُشكّكني فقط. فإن نَظَرْتُ واشتهيتُ لا ذنب لي، ويسوع المسيح يعلّم: “أمَّا أنَا فَأقُولُ لَكُمْ: إنَّ كُلَّ مَنْ يَنْظُرُ إلى امْرَأةٍ لِيَشْتَهِيَهَا، فقدْ زَنَى بِها في قَلْبِهِ.” (متى 5: 28).


2- “أتَّبِعُ موضةَ العصر”

– تقول أنّ نيّتك صالحة، في حين أنّك بلباسك المُشين توقع النفوس بحبال الشّهوة والخطيئة المميتة وبالتالي تسبّب موت نفوسٍ كثيرة وهلاكها. لنفترض أنّ نيّتك سليمة كما تزعم، ولا هدف لديك لا بإغراء النّفوس ولا بعرض مفاتنك. فماذا تبقّى من هدف التعرّي والإغراء إذًا؟
قد تُقول: إنّها موضة اليوم. نُجيبك: لكن ماذا ينفعك إرضاء الموضة وإغضاب ربّك؟ بل كيف ستؤدّي حسابًا عن نفسك وعن نفوس الّذين أوقعتهم بشباكك بهذه الحجّة السّخيفة الواهية؟

هل أوصانا الرّبّ في الانجيل باتّباع العالم أم بالكُفر به؟ كيف ما عاد بإمكان المرء أن يكون مُرتّبًا أنيقًا، إلّا بقلّة الحشمة ولباس الخطيئة؟ من هو ذاك المتخفّي الذي يصنع الموضة ويُخضع كلّ البشر لذوقه الفنّيّ الخاصّ، ويُسَيّر الأرض كلّ عامٍ خلفَ ابتكاراته الجديدة المُهينة لله؟

 إنّ مُلهم هؤلاء المصمّمين هو ابليس نفسه: “سيّد هذا العالم”. (يو 12: 31) كما أنبأت العذراء مريم عام 1917: ” في أواخر القرن العشرين ستظهرُ موضةٌ من صُنع الشّيطان، تُغيظ الله وتُسبّب هلاك نفوسٍ كثيرة. فلا تبتاعوا لأنفسكم من هذه الثياب.” (ظهور فاطيما)

فالبس ثيابًا مُحتشمةً واسعة، لنرى نيّتك الصّالحة. فالقول بأنّ الانسان غير المحتشم لا يبغي إيقاع الآخرين بشهوة النّظر، كالقول بأنّ الشخص المحتشم يبغي بحشمة جسده إيقاع الآخرين  مبادئ العالم اليوم هي أنّ الباطلُ باتَ حقًّا والحقّ باطلًا.


3- “ملاكٌ من السّماء”

– لنفترض أنّ نيّتك صافيةٌ تمامًا، وتصطاد بثيابك نفوسًا جمَّة بالخطايا، من دون قصد ولا وعي ولا إرادة… لكأنّك ملاكٌ بريءٌ آتٍ من الفردوس لا ذنب له بتاتًا. فأنتَ أشبه بطفلٍ التقط مُسدّسًا، وبكلٍّ جهلٍ للشرّ وبكلّ براءة نيّة راح يطلق النار في كلّ ناحيةٍ وصوبٍ، صائبًا عشرات الأشخاص بجروحٍ مُميتة وقاتلًا البعض الآخر.

فما نفع نيّتِه السّليمة؟ وهل يمكن القول أنّ أحدًا لم يتأذَّ؟ ويا ليت نيّتك كانت سيّئة، لَعرَفْتَ على الأقلّ كيف تُطلِقُ وتُوجِّه طلَقاتِ الخطايا المميتة.

ولكن اعلم جيّدًا، أنّكَ إن كُنتَ بلباسك أو بتصرّفكَ أو بصورةٍ معروضةٍ لكَ أوقعتَ 5 أشخاصٍ، تكون ارتَكَبتَ خمس خطايا، بالإضافة إلى خطيئتك الأولى وهي الإساءة إلى جسدك الذي هو هيكل الرّوح القدس. وإن أوقعت 10 أشخاص أم 100 أم 1000 شخصٍ، سوف يُطالبكَ الرّبّ يوم الدّينونة عن نفسك وعن كلّ نفسٍ أوقَعتها!
كما ورد في سفر حزقيال (3 : 17) “كلّ نفسٍ تهلكُ بسببكَ، أطالِبُ بنفسِكَ عوضًا عَنها.”
فما حال أولئك المشاهير الّذين يغرون الملايين ليل نهار، وصار الإغراء شُغلهم الشّاغل ومصدر عيشهم والهواء الذّي يتنفّسونه؟


4- “الآخر عينه شرّيرة”
البعض يتحجّج بأنّ الآخر عينه شرّيرة، ولو كانت طاهرة لما رأى الخطيئة حتّى في الجسد العاري. فنردّ بكلام الرّب القدّوس: “لِمَاذَا تَنْظُرُ الْقَذَى الَّذِي فِي عَيْنِ أَخِيكَ، وَأَمَّا الْخَشَبَةُ الَّتِي فِي عَيْنِكَ فَلاَ تَفْطَنُ لَهَا؟” (متى 7: 3)
الرّبُّ سيَدينُ كلّ انسانٍ، ولكن المُسبِّب قبل المتعثّر! (كما شرحنا)

هل كان القدّيسون وأطهر الرّهبان والنّسّاك ذوي نوايا سيّئة، الّذين كانوا يحجبون نظرهم عن أدنى مشهدٍ قد يجرح طهارة قلوبهم؟ (وأمثلة القدّيسين على ذلك لا تُعدّ ولا تُحصى) أم أنّ الحقيقة هي أنّ الشّيطان ماكرٌ ينتظرهم لإيقاعهم بالخطيئة؟ وأنّ التّجربة تُحاربُ الإنسان إلى لحظة موته الأخيرة؟!

أمّا من عينُه فعلًا شرّيرة، وقلبُه مريضٌ بالخطيئة، فهو يرى الخطيئة ويشتهيها في الشخص المحتشم أيضًا. فيا ليتكَ تساعد أخيك المريض بحشمتك وتوبتك وصلاتك، عوضَ أن تقدّم له السُّمَّ بحجّة مرضه، ومن ثمّ تُعيّره على علّته التي تزيدها له.


5- الرّب العاد، سيَدينُنا على أعمالنا ونتائجها ليس فقط نوايانا !

تقول أنّك تصلّي وتؤمن وتحبّ الرّب وربّما تعترف بخطايا وتتناول القربان بحرارة، وربّما أيضًا تُجاهر بتعبّدك للعذراء مريم، وأنت في الوقت نفسه تجذُب بلباسك وصورِك العديدين إلى نار جهنّم. إليكَ مشهد الدّينونة من فم الرّب يسوع:

“مِنْ بَعْدِ مَا يَكُونُ رَبُّ الْبَيْتِ قَدْ قَامَ وَأَغْلَقَ الْبَابَ، وَابْتَدَأْتُمْ تَقِفُونَ خَارِجًا وَتَقْرَعُونَ الْبَابَ قَائِلِينَ: يَا رَبُّ، يَا رَبُّ! افْتَحْ لَنَا. يُجِيبُ، وَيَقُولُ لَكُمْ: لاَ أَعْرِفُكُمْ مِنْ أَيْنَ أَنْتُمْ! حِينَئِذٍ تَقُولُونَ: أَكَلْنَا قُدَّامَكَ وَشَرِبْنَا، وَعَلَّمْتَ فِي شَوَارِعِنَا! فَيَقُولُ: أَقُولُ لَكُمْ: لاَ أَعْرِفُكُمْ مِنْ أَيْنَ أَنْتُمْ، تَبَاعَدُوا عَنِّي يَا جَمِيعَ فَاعِلِي الظُّلْمِ! هُنَاكَ يَكُونُ الْبُكَاءُ وَصَرِيرُ الأَسْنَانِ” (لو 13: 25- 28)


6 – نختم بتعليم القدّيس يوحنّا فم الذهب، أحد آباء الكنيسة، عن الحشمة عند النّساء اللّواتي يقُلْنَ: “لا نيّة لي بالإغراء” :

“إطرحي بعيداً عنك هذا الرياء ! الله لا يُسخَر منه !كل هذه الأمور لا تناسب إمرأةً مُحتشمة، بل يليق بها التزيّن بالورع (التقوى) والتعقّل. لا تقلّدي إذاً المحظيات، فهنّ بهذا الثوب يغرين عشّاقهن، ومن ثم كثيرات جلبنَ على أنفسهن شكوك شائنة، وبدلاً من كسب أي فائدة من زينتهن تسبّبن في ضرر الكثيرين بسلوكهّن. لأنّه كما أنّ الزانية إذا كان مظهرها محتشمٌ لا تنتفع شيئاً في يوم الدينونة عندما يستعلن كلّ ما تم فعله في الخفاء، كذلك أيضاً المرأة الشريفة إذا كانت بهذا الثوب تقتدي بالزّانية سوف تفقد فائدة عفّتها، لأن كثيرين تضرّروا من هذا السلوك. قد تقولين: “وماذا أفعل أنا … إذا كان شخص آخر ينظرُ لي هكذا؟”، لكنّك أنت التي تعطينه الفرصة من خلال ثوبك ونظراتك وإيماءاتك.
لهذا السبب، يهتّم القديس بولس بتوجيه النظر للورع وحشمة الملبس.
أرجو أن تحتملن هذا الحديث، لأنّي بهذا التوبيخ غرضي ليس جرحكنَّ أو التسبّب في الألم لكن، بل لكي أزيل من قطيعي (شعبي) كلّ تصرّفٍ غير لائقٍ.”


7- أسرعوا وبدّلوا طريقة لبسكم وسلوكم واركوا كلّ ثيابكم الفاضحة والضّيقة والشّفافة والقصيرة…إلخ، وأزيلوا كليًّا صوركم المُغرية عن وسائل الاتّصال، رحمةً بنفوسكم ونفوس من ينظر إليها. واقتدي أيّتها النّساء بحشمة العذراء مريم أمّ الله وأيّها الرجال بحشمة وطهارة القدّيس ويوسف البتول خطّيبها.
إذ “ماذا ينفع الإنسان لو ربح العالم كلّه، وخسر نفسه؟” (مر 8: 36)
إعلموا أيضًا أنّ هذه الخطيئة هي مضاعفة في الكنائس والمزارات والمناسبات المقدّسة كالزّواج والمعموديّة والقربانة الأولى والجنازة..

لا بدّ من قراءة التّالي:

-معايير الحشمة التي تحدّدها الكنيسة
-خطيئة شهوة العين والقلب

You may also like...

Powered by Calculate Your BMI