الحرّيّة المثليّة أم الحرّيّة مِن المِثليّة؟

في زمن الفساد الأخلاقي التّام، حيث يَتفلَّتُ الإنسان يومًا بعد يومٍ من وصايا الله المقدّسة، مُطالبًا باستقلاليّةٍ تامّةٍ وبحريّة ممارسة الخطيئة وكلّ نوع فلتانٍ وفحشٍ… يُقدّم العالمُ لمِثليّ الجنس حُقوقًا وشرائع جديدةً غريبةً، وتَحرُّرًا كاملًا من كلّ قيدٍ، وفوق كلّ شيء من تبكيت الضّمير، ومن القُدرة على التّمييز بين الحقّ والباطل- بين البِّر والخطيئة؛ وبالتّالي يحاول أن يَنتزعُ منه كلَّ ميلٍ للتّوبة وللعودة إلى شريعة الله.
وإنّ هذه الحرّيّة الشّيطانيّة الكاذبة تكادُ تشملُ العالم بأسره. وما هذا إلّا روح الضّلال الكبير الذي يسيطر على كلّ شيء؛ زمن التمرّد على الله والجحود العظيم!
1- ولكن من قال أن لا حقوق اجتماعيّة وإنسانيّة وكنسيّة وروحيّة للمثليّ الجنس؟ ولكن أيّة حرّية، وأيّة حقوقٍ؟
للمثليّ الجنس الحقّ بالتّوبة، الحقّ بالشّفاء الكامِل، الحقّ بمرافقة وإرشاد وتوعية روحيّة صحيحية، الحقّ بتغيير سيرة حياته، الحقّ بالتّحرّر من خطاياه، الحقّ برحمة الله العظيمة؛ الحقّ بخلاص نفسه من الهلاك. “لأَنَّ أُجْرَةَ الْخَطِيئةِ هِيَ مَوْتٌ” (روم 6: 23)؛ الموت الأبديّ، و”إنّ خطايا الدّنس -على أنواعها- هي أكثر الخطايا التي تقود النّفوس إلى جهنّم في هذا الزّمن” (العذراء مريم، ظهور فاطيما 1917)
إنّ ابن الله، يسوع المسيح، قد تجسّد وتألّم ومات وقام ليحرّر الإنسان من خطاياه، لا ليبرّرها له: «لاَ يَحْتَاجُ الأَصِحَّاءُ إِلَى طَبِيبٍ بَلِ الْمَرْضَى. لَمْ آتِ لأَدْعُوَ أَبْرَارًا بَلْ خُطَاةً إِلَى التَّوْبَةِ». (مر 2: 17) فهو لا يمقُتُ الخاطِئ، بل الخطيئة. ويدعوه إلى التّوبة ليخلُص: “لَمْ آتِ لأَدِينَ الْعَالَمَ، بَلْ لأُخَلِّصَ الْعَالَمَ” (يو 7: 13)
فالكنيسة الكاثوليكيّة تعلّم:

“هناك عددٌ لا يُستهان به من الرجال والنساء، الذين عندهم مُيولٌ لواطيّةٌ عميقة. هذه النزعة، المنحرفة موضوعيًّا، هي بالنسبة إلى معظمهم محنة. فيجب تقبُّلهم باحترام وشفقة ولطف. ويجب تحاشي كُلّ علامة من علامات التمييز الظالم بالنسبة إليهم. هؤلاء الأشخاص مدعُوّون إلى تحقيق مشيئة الله في حياتهم، وإذا كانوا مسيحيّين، أن يضمّوا إلى ذبيحة صليب الربّ المصاعب التي قد يُلاقونها بسبب وضعهم.” (بند 2358)

 

2- ليس الإنسان من يُحدِّد ماهيّة الخطيئة والفضيلة، بل هو الله نفسه الّذي خلق الإنسان، وليس هو من -خلَق المثليّة الجنسيّة، كما يزعم البعض، ولا يستطيعُ أن يُباركَها أبدًا، لأنّه “ذَكَرًا وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ. وَبَارَكَهُمُ اللهُ وَقَالَ لَهُمْ: “أَثْمِرُوا وَاكْثُرُوا وَامْلأُوا الأَرْضَ” (تك 1: 27- 28)
ليس اللهُ من صَنَع المِثليّة، بل هو إبليس “سيّد الخطيئة” الذي يدخل طفولة الإنسان أو مُراهقته، عبر تحرّشٍ جنسيٍ أو اعتداءٍ أو تجربةٍ معيّنةٍ… ليُفسِد ما صنعه الله، ويُخلِّف الخلل في مشاعر الإنسان وعواطفه ورغباته وشهواته.
لو كان الله هو صانع المثليّة ؛ لكانت ثمارها الفرح الرّوحي والسّلام والطّهارة، غير أنّ ثمار المثليّة الجنسيّة غالبًا ما تكون: الخوف والعُزلة والشّعور بالذّنب والعار، والقلق والكَبت والاكتئاب واليأس والانتحار… (لذا يُكثَر الالتجاء إلى الأطبّاء النّفسيّين). وليس جهل المجتمع وقساوته هما من يُسبّب كلّ هذا، بل الخطيئة والشّيطان. كما يشرح القدّيس بولس:
“وَإِنَّمَا أَقُولُ: وَأعمَالُ الْجَسَدِ ظَاهِرَةٌ: زِنىً، عَهَارَةٌ، نَجَاسَةٌ، دَعَارَةٌ (…) وَأَمْثَالُ هذِهِ الَّتِي أَسْبِقُ فَأَقُولُ لَكُمْ عَنْهَا كَمَا سَبَقْتُ فَقُلْتُ أَيْضًا: إِنَّ الَّذِينَ يَفْعَلُونَ مِثْلَ هذِهِ لاَ يَرِثُونَ مَلَكُوتَ اللهِ. وَأَمَّا ثَمَرُ الرُّوحِ فَهُوَ: مَحَبَّةٌ، فَرَحٌ، سَلاَمٌ، طُولُ أَنَاةٍ، لُطْفٌ، صَلاَحٌ، إِيمَانٌ، وَدَاعَةٌ، تَعَفُّفٌ. ” (غلا 5: 17- 23)

فكم هم مخدوعون الّذين يظنّون أنّهم باستسلامهم لشهواتهم وعدم توبتهم ينالون حرّيّة القلب والفرح الدّاخليّ؟ وكم هم مخدوعون بالأكثر الّذين يشجّعون المثليّين على الخطيئة (أطبّاء أو مكرّسون) ويقنعوهم بأنّ الله خلقهم هكذا، ويحبطون عزيمتهم بالقدرة على التّغيير والشّفاء؟ “فالويل لمن تقع على يده الشّكوك” (لو 17: 1)


3- لو كان الله يرضى عن المثليّة الجنسيّة لما أهلَك مدينتَي سَدوم وعمورة بالنّار والكبريت، (تك 19: 24) ، لأنّ أهلها رفضوا التّوبة؛ “قَالَ الرَّبُّ: «إِنَّ صُرَاخَ سَدُومَ وَعَمُورَةَ قَدْ كَثُرَ، وخطيئتُهم قَدْ عَظُمَتْ جِدًّا.” ( تك 19: 20)
ولو كان الله يرضى بالشّذوذ الجنسيّ لما قال القدّيس بولس: “لاَ تَضِلُّوا: لاَ زُنَاةٌ وَلاَ عَبَدَةُ أَوْثَانٍ وَلاَ فَاسِقُونَ وَلاَ مَأْبُونُونَ وَلاَ مُضَاجِعُو ذُكُورٍ، لا سَارِقُونَ وَلاَ طَمَّاعُونَ وَلاَ سِكِّيرُونَ وَلاَ شَتَّامُونَ وَلاَ خَاطِفُونَ يَرِثُونَ مَلَكُوتَ اللهِ.” ( 1 كو 6: 9-10)

وأيضًا عن الجزاء العادِل لضلال “الذّكور الّذين اشْتَعَلُوا بِشَهْوَتِهِمْ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، فَاعِلِينَ الْفَحْشَاءَ ذُكُورًا بِذُكُورٍ.” (رومية 1: 27)

 

فإنّ الرّب يسوع الحنون والشّفوق والغفور، الذي ما تجسّد ليدين الإنسان بل ليعطيه الشّفاء والغفران، هو نفسه سيُعاقب كلّ من رفض التّوبة؛ “سيُجَازِي كُلَّ وَاحِدٍ حَسَبَ أَعْمَالِهِ” (روم 2: 6) لأنّ “الآبَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ الدَّيْنُونَةِ لِلابْنِ” (يو 5: 22) “وسيُرْسِلُ ابْنُ الإِنْسَانِ مَلاَئِكَتَهُ فَيَجْمَعُونَ مِنْ مَلَكُوتِهِ جَمِيعَ الْمَعَاثِرِ وَفَاعِلِي الإِثْمِ، وَيَطْرَحُونَهُمْ فِي أَتُونِ النَّارِ. هُنَاكَ يَكُونُ الْبُكَاءُ وَصَرِيرُ الأَسْنَانِ.” (متى 13: 41- 42)
ألن يكون مصير كلّ أمّةٍ اليوم أسوء بكثير من حال سَدوم وعَمورة، لا سيّما أنّ تلك المدينتَين مارستا هذه الخطيئة، ولم تُشرّعاها كما يحصل اليوم!
4- فإنّ الحريّة للمثليّ الحقيقيّة والوحيدة، هي حرّيّة المسيح الذي يحرّر من الخطيئة والاستعباد لها:

«الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ يَعْمَلُ الْخَطِيئةَ هُوَ عَبْدٌ لِلْخَطِيئةِ. فَإِنْ حَرَّرَكُمْ الابْنُ فَبِالْحَقِيقَةِ تَكُونُونَ أَحْرَارًا.” (يو 8: 34- 36) “فَإِنَّكُمْ دُعِيتُمْ لِلْحُرِّيَّةِ أَيُّهَا الإِخْوَةُ. غَيْرَ أَنَّهُ لاَ تُصَيِّرُوا الْحُرِّيَّةَ فُرْصَةً لِلْجَسَدِ” (غلا 5: 13) إِذًا لاَ تَمْلِكَنَّ الْخَطِيئةُ فِي جَسَدِكُمُ الْمَائِتِ لِكَيْ تُطِيعُوهَا فِي شَهَوَاتِهِ، وَلاَ تُقَدِّمُوا أَعْضَاءَكُمْ آلاَتِ إِثْمٍ لِلْخَطِيئة ” (روم 6: 12- 13)

 

حريّة القلب والرّوح والشّفاء الكامل واسترداد ما سرقه إبليس ليس مستحيلًا؛ «عِنْدَ النَّاسِ غَيْرُ مُسْتَطَاعٍ، وَلكِنْ لَيْسَ عِنْدَ اللهِ، لأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ مُسْتَطَاعٌ عِنْدَ اللهِ» (مر 10: 27) فالشفاء يبدأ بقرارٍ داخليٍ جريء وواثق برحمة الله وقدرته، وبالاغتسال بدم المسيح في سرّ الإعتراف عند الكاهن (أوّلًا الاعتراف عام) وبالصّلاة اليوميّة (لا سيّما الورديّة) والصّوم والإماتة، وقراءة الكتاب المقدّس وسير القدّيسين، والإلتجاء إلى قوّة التقسيم ضدّ شيطان الشّذوذ (بحسب خبرة الكثر من المقسّمين حول العالم) وقبل كلّ شيء بالبُعد عن أسباب الخطيئة وكلّ باب يُدخل الخطيئة والشّهوة (العشرة الرّديئة، وسائل التّواصل…) وبشكلٍ خاصٍ بتناول جسد الرّب ودمه بحال النّعمة والتّوبة (بعد الاعتراف) كما وبطلب شفاعة مريم أمّ الله والقدّيس يوسف البتول، والقدّيسين كافّةً.

فإنّ هذه هي مسيرة كلّ شخص يطلب خلاص نفسه وقداستها، فكم بالحريّ الّذين يطلبون التحرّر من الخطايا الثّقيلة وجراح النّفس المُزمنة.
فالكنيسة أيضًا تعلّم: “الأشخاص اللّواطيّون مدعُوّون إلى الطهارة. وهم قادرون على التقرُّب تدريجيًّا وبعزم إلى الكمال المسيحيّ، ومُلزَمون بذلك، مُستَعِنين بفضائل السيطرة على الذات التي تُربّي على الحرّيّة الداخليّة، وأحيانًا بمساعدة صداقةٍ نزيهة، وبالصّلاة والنّعمة الأسراريّة.” (بند 2359)


5- إنّ محبّة المثليّين الحقيقيّة، هي بمساعدتهم على التّحرّر من قيودهم وخلاص نفوسهم. لذلك، ننهي بكلام العذراء مريم إلى الأب ستيفانو غوبي: (ببركة السّلطة الكنسيّة وإذنها)
“التغيير الذي أطلبه منكم هو، الذي طلبه منكم يسوع في إنجيله. ابتعدوا عن درب الشرّ السّيئة، والكبرياء، والأنانيّة، والخطيئة.
في العالم الذي تعيشون فيه، وحيث يُقبَل التمرّد ضدّ الله وضدّ شريعة محبّته، وحيث يُنشَر، ويُشاد به ويُجعل منه نموذجًا جديدًا للحياة، كم هم كُثُر أولادي المساكين الذين يصبحون كلّ يوم ضحايا للخطيئة والدّنس ! (…) إنّ الخطيئة الجسيمة تُبعدكم عن الله، وتقتلع من نفوسكم الهبة الثمينة للحياة والنعمة، وتجعلكم عبيدًا للأهواء والفجور…”

You may also like...

Powered by Calculate Your BMI