لمحة عن حياة الطّفلة القدّيسة ماريا غوريتّي- شهيدة الطّهارة

1- الطّفولة
ولدت ماريا غوريتّي في إيطاليا، بالقرب من مدينة “كورينالدو” في 16 ت1 1890. وتعمّدت في اليوم التّالي وكُرّست للعذراء مريم الطاهرة.

وكانت من بين الأطفال السّتة الذين رزق بهم “ليغي غوريتّي” و”أسونتا كارليني”. وبسبب الجوع انتقلت عائلة غوريتّي الى “فييريير دي كونكا” حيث استأجروا مزرعةً في منطقة مستنقعيّة ملوّثة بالبعوض. وقد شاركت عائلة غوريتّي المزرعة مع عائلة سيرينيلّي؛ المؤلّفة من أرملٍ اسمه جون وابنه ألكسندر؛ وسَكَنا في الطابق العلويّ. وقد تلقّى ألكسندر تربيةً سيّئة تقوم على التجديف بالله وعدم الصلاة وخالية من الأخلاق. فكان يقضي يومه بالسّكر والشتائم.

 

(صورة حقيقيّة لها – 1902)

2- عبادة القربان الأقدس
في أيار 1900 توفّي والد ماريا. فساندت ماريا الطّفلة أمها كثيراً، ولم تشتكِ بتاتاً من الأعمال المكلّفة بها، وكانت تردّد في أحيانٍ كثيرة الجملة التالية: “سوف يساعدنا يسوع”. وكلما كانت تكبر كان توقها لتناول المسيح من خلال القربان المقدّس يزداد معها. وقد قالت: “إنّني أشتاق ليسوع”.
ومع ذلك لم تكن تعرف القراءة أو الكتابة، فكيف كان لها أن تكون قادرة على تعلّم الإنجيل؟ لكنّ الكاهن وسيدة من القرية ساعداها في ذلك، وتعلّمت القراءة بسرعة كبيرة، وبعد أشهر قليلة استطاعت النجاح في الإمتحانات.
وفي 1 حزيران 1901، تناولت القربان المقدّس للمرّة الأول وكان ذلك اليوم يوم عيد القربان. كانت تتّسم ماريا بالمحبة وتعكس ملامحها براءة عظيمة ونقاوة وتقوى. وكانت تذهب كلّما استطاعت لتناول القربان المقدّس.



3- كرهٌ للخطيئة
أمّا عائلة سيرينيلّي تستخدم المطبخ ذاته لتحضير وجباتها وكان “ألكسندر” يضايق ماريا باستمرار بطلباته الشرّيرة والبغيضة. غير أنّ ماريا فكانت تمقت الخطيّة والشيطان والضعف وكانت فضيلة الطهارة تشعّ منها؛ فصلّت: “خذني يا يسوع، إنّي أقدّم نفسي لك”. عند بلوغها الثانية عشرة بدت وكأنها في الخامس عشرة. اتّصف ألكسندر بالاستبداد في المنزل، وكان يوزّع الأعمال على مزاجِه. ولتحافظ والدة ماري، على السلام في المنزل كانت تتحمّل تصرّفاته. وأصبح بعد ذلك يعامل ماريا بلطف لتحقيق مآربه، لكنّها فطِنت لنفاقه وخلوّه من الطهارة. فصدّته حينما أظهر بوضوحٍ مبتغاه منها، وراحت تصرخ: “لا، أبداً، إنها خطيئة! لقد حرّم الله ذلك، وسنذهب الى الجحيم بسببها”.


4- ضحيّة الطهارة

في اليوم التالي، يوم الجمعة 5 تموز 1902، أمر ألكسندر الجميع بالذهاب لجمع الفاصوليا، وطلب من ماريا البقاء لإصلاح قميصه.
 لم تجرؤ ماريا على عصيان ألكسندر ولحق بها الى المنزل. وهناك أمسك بها بشدّة بقبضته وصرخ بوجهها قائلاً: “لا توقفيني وإلا قتلتك”. فصرخت ماري طالبةً النجدة وصارعت بشراسة. لم يتمالك ألكسندر نفسه فطعنها بسكين، مرةً تلو الأخرى الى أن وصل عدد الطعنات الى 14 طعنة زاحت إحداها عن قلبها مليمترات قليلة. سقطت ماريا إثر ذلك في بركة من الدماء ونادت: “أمي، أنا أموت، أمي!” إلا أنّ ذلك لم يؤثر في الوحش الذي تركها ورحل. بعد ذلك بقليل عاد ليتأكّد من موتها فطعنها مرّةً أخرى. ثم ذهب الى غرفته لينام على سريره، وكأنّ شيئاً لم يكن.


5- وفاة الطّفلة الملاك

بعد فترة استطاعت ماريا استجماع قواها وسحب نفسها الى الباب لطلب المساعدة. “ساعدوني… ساعدوني! ألكسندر…. حاول…. يحاول قتلي!” ثم فقدت الوعي. وحينما وجدوها أخذوها الى المستشفى وخضعت لعملية دامت ساعتين. لم تُعطى خلالها أي مخدّر وتملّكهم الخوف من أنّها لن تنجو. لقد عانت معاناةً مريعة، إلا أنّها ردّدت الصلاة التالية: “يسوع لقد عانيت كثيراً لأجلي، أرجوك ساعدني في معاناتي لأجلك”. وقال الطبيب للكاهن الذي تمّ استدعاؤه: “أبتي لقد وجدتَ ملاكاً، لكنّني خائف من أن نترك وراءنا جثّة”. أُلقي القبض على ألكسندر بعد ساعة من ارتكابه لهذه الجريمة، وكبّلت يداه بالأصفاد وأُخذ بعيداً. وكان على الشرطة أن تمنع الحشود الغاضبة من إعدامه. كما ولم يُسمح لوالدتها بقاء الليل الى جانبها. وفي منتصف الليل زارها الكاهن وقال لها أنه يودّ منها أن تلتحق بجماعة أطفال مريم. ووضع ميداليّة الأيقونة حول عنقها وباركها. فقبّلت ماريا الأيقونة، وصلّت الكلمات التي أعطتها السيّدة العذراء لكاثرين لابوري: يا مريم التي حُبِلَ بلا دنس صلّي لأجلنا نحن الملتجئين إليك.

وفي صباح اليوم التالي، تناولت ماريا القربان المقدّس. وقد بَدَت كملاكٍ، فقد كان يشعّ من وجهها ضوءٌ منظورٌ. وقالت:”إنّي أسامح من حاول قتلي لمحبّتي ليسوع المسيح. وسينضمّ ألكسندر إليّ في السماء، لأنّي سامحته وصلّيت أن يسامحه الله أيضاً. قريباً سأقابله وجهاً لوجه!” وكانت أسونتا الى جانب ابنتها في ذلك الوقت. ونظرت ماريا بمحبّة الى صورة العذراء مريم المعلّقة على الجدار في غرفتها وهَمَست: “إنّ العذراء بانتظاري”. وتبع ذلك نزاع مرير مع الموت. في 6 تموز 1902، ماتت ماري غوريتّي وهي تقبّل الصليب عن عمر يناهز الحادية عشرة وتسعة أشهر. وبعد موتها أقام عدد لا يحصى من الناس صلاةً لها. وركع الكثيرون الى جانب قبرها وطلب وأخذ العديد منهم شفاعتها.



6- تطويبها وتقديسها؛ توبة القاتل

في 17 نيسان 1947، أعلن البابا بيوس الحادي عشر العذراء ماري غوريتّي المضحّية بحياتها طوباويَّةَ. وحضر الكثيرون من جميع أنحاء العالم لتقديم الإجلال لها، بما فيهم أمّها أسونتا حاضرة في ذلك اليوم واجتمعت مع البابا بعد الظهر. وقد مُنحت المقدّسة جديداً رمز الطهارة ألا وهو: “الزنبقة وسعف النخل”. وحُكم على ألكسندر بالسجن 30 عاماً مع الأشغال الشّاقة. وحينما سمع عن تطويب ماريا وهو في زنزانته ضحك مستهزئاً: “إن كانت قدّيسة، فدعها تقم من الموت”.

لكن طرق الله غامضة. لقد ظهرت ماري لألكسندر في الحلم وأعطته زنبقة. وحينما قبل الوردة تحوّلت ماريا الى لهبٍ وامضٍ. وكان ذلك بداية خلاصه. وعندما زاره المطران علم أن ماريا غوريتّي قد سامحت ألكسندر فقد سمعه يتمتم: “لقد سامحتني؟” وانفجر بعد ذلك باكياً. فذهب للاعتراف عند الكاهن بجريمته كاملةً. وفي عيد الميلاد في سنة 1937 أقدم على أصعب خطوة في حياته ألا وهي سفره لزيارة أمّها والدموع تنهمر من عينيه طالباً وراجياً منها أن تسامحه. فقالت له بكل بساطة: “إن سامحتك ماريا، لما عليّ أن لا أسامحك؟”. وفي ليلة الميلاد، شوهدت أسونتا راكعةً عند حاجز المذبح الى جانب قاتل ابنتها العزيزة. ودخل بعد ذلك الى ديرٍ بطلبٍ من الراهب البينيديكتيّ وأوكلت له مهام الحديقة وعُرف بالأخ ستيفانو. وبذلك تحقّقت أمنية ماري غوريتّي التي تمنّتها وهي على فراش الموت.

(صورة حقيقيّة للقاتل التائب مع أسونتا أمّ القدّيسة ماريا)
في الرابع والعشرين من يونيو عام 1950، أعلن البابا بيوس الثاني عشر قداستها، بحضور ألكسندر قاتِلِها، وأمّها. وقد شهد على ذلك مطارنة والدبلوماسيّون وأعضاء من النبلاء الرومان في كاتدرائية مار بطرس في روما.

وُضع جسدها في كنيسة سيدتنا سيدة الرحمة في نيتونو. إن ماري غوريتّي تخدم الشابات اليوم، في وقت الفساد الأخلاقيّ، وعدم الإخلاص، وتدنّي الأخلاق، وتمثّل النقاوة والاستقامة الروحيّة.

وقد أعطت العذراء مريم في ظهور فاطيما 1917 ، بعد خمس 15 من وفاة ماريا، هذه الصّلاة:”يا ماري غوريتّي القدّيسة أُحْرسي شبيبة العالم”

You may also like...

Powered by Calculate Your BMI